وكثر شعر الطبيعة والخمر، وكان لطبيعة الأندلس الأثر الحاسم في جعل هذا الغرض من أميز أغراض الشعر الأندلسي. وتمثل طبيعة الأندلس الملهم الأول لشعراء الأندلس، خاصة أن مجالس الخمر واللهو والغناء كانت تقام في أحضان هذه الطبيعة. وقد عبّر ابن خفاجة، أشهر شعراء الطبيعة في الأندلس، عن هذه الصلة، فقال:
يا أهل أندلس لله درُّكمُ ماءٌ وظلٌ وأنهار وأشجار
ما جنة الخلد إلاّ في دياركمُ ولو تخيرت هذا كنت أختار
ويتَّسِم هذا اللون من الشعر بإغراقه في التشبيهات والاستعارات وتشخيص مظاهر الطبيعة وسمو الخيال. كما كان يقوم غرضًا مستقلاً بذاته ولا يمتزج بأغراض أخرى، وإن امتزج بها لم يتجاوز الغزل أو مقدمات قصائد المدح.
ويعد معظم شعراء الأندلس من شعراء الطبيعة. فكل منهم أدلى بدلوه في هذا المجال، إما متغنيًا بجمال طبيعة الأندلس، أو واصفًا لمجالس الأنس والطرب المنعقدة فيها، وإما واصفًا القصور والحدائق التي شُيدت بين أحضان الطبيعة. ولذلك كان كل شعراء الأندلس ممن وصفوا الطبيعة.
ويُعدُّ الشاعر ابن خفاجة الأندلسي المقدَّم بين هؤلاء الشعراء، إذ وقف نفسه وشعره على التغني بالطبيعة لا يتجاوزها وجعل أغراض شعره الأخرى تدور حولها.
النثر. تماثل حالة النثر في الأندلس حالته في المشرق إلى حد بعيد. فالتأثير الفكري والفني بين الأندلس والمشرق كان متبادلاً. وكانت رحلة العلماء والأدباء ضرورة علمية يُحرص عليها. ومن ثم اتفق المشرق والأندلس في طبيعة الموضوعات والأساليب فعرف الأندلس طريقة الجاحظ في الكتابة، وبديع الزمان الهمذاني والحريري في المقامات، وابن العميد والقاضي الفاضل في الترسل. ونحاول في إيجاز التَّعريف بأهم الفنون النثرية التي راجت في الأدب الأندلسي