الرثاء:أما شعر الرثاء في الأندلس، في معناه التقليدي، فلم يكن من الأغراض الرائجة، وظل يحذو حذو نماذج الشعر المشرقي حين يستهلّ برد الفواجع ووصف المصيبة التي حلت بموت الفقيد. وعادة تستهل القصيدة بالحِكَم وتختتم بالعظات والعبر.
أما رثاء المدن والممالك فهو الغرض الأندلسي الذي نبعت سماته وأفكاره من طبيعة الاضطراب السياسي في الأندلس. وكان مجال إبداعٍ في الشعر الأندلسي. وقد ظلت قصيدة أبي البقاء الرَّنْدِي التي مطلعها:
لكل شيء إذا ماتم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان
ورائية ابن عبدون:
الدهر يفجع بعد العين بالأثر فما البكاء على الأشباح والصور
وسينية ابن الأبَّار
أدرك بخيلك خيل الله أندلسا إن الطريق إلى منجاتها درسا
عدا ما قيل في مراثي بني عبّاد ووزيرهم المعتمد، ظل كل ذلك من عيون الشعر العربي عامة والأندلسي خاصة.
تبع الشعر الأندلسي الشعر المشرقي في هذا اللون من التعبير، وإن كان شعراء الأندلس، لعناية الأندلس بالفلسفة، قد حققوا قدرًا ملحوظًا من العمق في المعنى والبراعة في التصوير حين يتناولون موضوعات في الحكمة. فقد كان من شعراء الأندلس من طوعوا الفلسفة للشعر والشعر للفلسفة، فصوروا الخواطر النفسية والتأملات الفكرية مما يُعد مجال إبداع في هذا اللون من الشعر. ونمثل لهذا الغرض بقول أمية بن عبد العزيز:
وما غربة الإنسان في غير داره ولكنها في قرب من لايشاكله
ويقول الشاعر الغزال:
أرى أهل اليسار إذا تُوُفُّوا بَنوا تلك المقابر بالصخور
أبوْا إلاّ مُبَاهاة وفخرًا على الفقراء حتى في القبور
إذا أكل الثرى هذا وهذا فما فضل الغنيّ على الفقير