لزهد والتصوفف:أما الزهد والتصوف والمدائح النبوية؛ فلعل حياة الدعة والترف والمجون التي غرق فيها المجتمع الأندلسي، أدت إلى اتجاه معاكس، يفسر نزعة الزهد والتصوف التي راجت في الشعر الأندلسي. فالأندلسيون تفوقوا على الـمَشَاِرقَة في هذا الغرض، غزارةً في الإنتاج وتوليدًا للمعاني ورسمًا للصور المؤثرة القوية. ويلفت النظر أن عددًا من شعراء الأندلس أدركتهم التوبة بعد طول حياة لاهية، فوجهوا طاقتهم الشعرية في آخر أيامهم إلى طلب مغفرة الله ومرضاته وإلى ذم حياة اللهو والمجون والدعوة إلى الزهد والتقشف. ومن أشهرهم في هذا المقام ابن عبدربه وابن حمديس والغزال. يقول ابن عبدربه:
إنّ الذين اشتروا دنيا بآخرة وشقوة بنعيم، ساءَ ما تجروا
يامن تلهىَّ وشيب الرأس يندبه ماذا الذي بعد وَخْطِ الشيب تنتظر
لو لم يكن لك غير الموت موعظة لكان فيه عن اللذات مزدجر
وأما التصوف فقد اشتهر به من شعراء الأندلس أعلام على رأسهم شيخ المتصوفين ابن عربي وابن سبعين وابن العريف والشستري وغيرهم
وقد وجه الشعر الأندلسي طاقة كبيرة للتغني بمدائح الرسول ³، وكان أهل الأندلس قاطبة يحنون إلى الحجاز وإلى مهبط الوحي وإلى المدينة المنورة. وقد اتسع المديح النبوي منذ القرن السادس الهجري وأصبح من أغراض الشعر الأندلسي المقدَّمة، وكان من أسباب ذلك إحساس أهل الأندلس بضيعة الإسلام، عندما تكاثرت عليهم جيوش النصارى، فاتخذوا من الشعر أداة للاستغاثة بالرسول الكريم وكانوا يرسلون القصائد إلى القبر النّبوي الشريف واصفين محنهم وأذاهم
ومن أشهر هؤلاء الشعراء أبو زيد الفازازي وابن جابر الأندلسي وأبو الحسن الرُّعَيْني وغيرهم من شعراء الأندلس