لقد كان لانتشار شعر الطبيعة في الأندلس أسباب كثيرة وأهمها جمال طبيعة الأندلس من بساتين ورياض وأزهار وغيرها الكثير كل ذلك شد الشعر الأندلسي وهيج مشاعره فأقبل على وصف الطبيعة بكافة جوانبهاوهذا ما يبدو واضحا في قول ابن خفاجة الذي رأى بأن الأندلس هي جنة الخلد وأنه لا يرضى عنها بديلا :
يا أهـــــــــــل أندلـس للـه درُّكمُ
مـاءٌ وظـــــــــلٌ وأنهار وأشجار
ما جنة الخــــــــلد إلاّ في دياركمُ
ولو تخيرت هــــــــذا كنت أختار
وقد كان لوصف الأندلسيين سمات عديدة ميزته عن غيره من أنواع الوصف ومن أهما أن شعراء الأندلس كانوا حريصين على تشخيص الأمور المعنوية وبث الحياة والحركة في الجمادات بالإضافة إلى مزج مظاهر الطبيعة بمفاتن الحياة الحضرية المترفةولا يخفى أن الطبيعة قد أصبحت بالنسبة للشعراء ملاذاً يبثون فيها أحزانهم وأفراحهم فجعلوها تفرح كما يفرحون وتحزن كما يحزنون كمافعل ابن خفاجة حين عبر عن استثقاله للحياة, ووحدته بعد موت إخوانه, وعن(قيمة الموت) و وقعهما على نفس الشاعر التي تفرق وتهلع من الموت، وتحاول الهرب من شبحه المخيف, وارتاح الشاعر حين بكى, ووجد في (أخيه)- أو صنوه - الجبل عزاءً وودعه وهو أقوى نفساً على مواجهة مصيره وفي ذلك قال على لسان الجبل عندما بدأ يحدثه :
وقال ألا كم كنت ملجأ فاتك .... وموطــــن أوّاه تبتّل تائب
وكم مرّ بي من مدلج ومؤوّب ...... وقال بظلّي من مطي وراكب
ولاطم من نكب الرياح معاطفي. وزاحم من خضر البحار جوانبي
فحتى متى أبقى ويظعن صاحب ... أودع منه راحلاً غير آيب
وحتى متى أرعى الكواكب ساهرا ...... فمن طالع أخرى الليالي وغارب
فرحماك يا مولاي دعوة ضارع ....... يمدّ إلى نعماك راحة راغب
فأسمَعَني من وعظه كلّ عبرة ...... يترجمها عنه لسان التجارب
فسلّى بما أبكى,وسرّى بما شجي .... وكان على ليل السّرى خير صاحب
وقلت قد نكبت عنه لطّية .... سلام فانّا من مقيم وذاهب